اللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلاله التخلّص من الطاقة الزائدة وهو مقدمة للعمل الجدي الهادف ، وفيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين ، وبمقدرته اللغوية والعقلية والجسدية ، ومن خلاله يكتسب الطفل المعرفة الدقيقة بخصائص الاشياء التي تحيط به ، فللعب فوائد متعددة للطفل وهو ضروري للطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها ، فالطفل (يتعلم عن طريق اللعب عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس ... والالعاب تضفي على نفسيته البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدرته على الخلق والابداع) (1)
ومن خلال اللعب يتحقق (النمو النفسي والعقلي والاجتماعي 1 ـ قاموس الطفل الطبّي : 221 ـ 222.
(74)
والانفعالي للطفل ... ويتعلم الطفل من خلاله المعايير الاجتماعية ، وضبط الانفعالات والنظام والتعاون ... ويشبع حاجات الطفل مثل حب التملك ... ويشعر الطفل بالمتعة ويعيش طفولته) (1)
فاللعب حاجة ضرورية للطفل ، فلا يمكن أن نتصور أو نرى طفلاً لا يلعب ، وحتى الانبياء والصالحين فانهم مرّوا في مرحلة اللعب وان اختلفوا عن الآخرين في طريقة واسلوب اللعب ، ولذا جاءت الروايات لتؤكد على اشباع هذه الحاجة قال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « دع ابنك يلعب سبع سنين ... » (2)
ووردت رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعبير آخر « الولد سيّد سبع سنين ... » (3)
وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام : « يرخى الصبي سبعاً ... » (4)
فالروايات تؤكد على ان مرحلة ما قبل الثامنة من العمر هي مرحلة اللعب ، وعلى الوالدين ان يمنحا الطفل الحرية في اللعب دون ضغط أو إكراه ، باستثناء الالعاب الخطرة التي يجب إبعادها عن الطفل أو ابعاده عنها.
والحرية في اللعب تعني عدم تدخل الوالدين في اختيار وقت اللعب 1 ـ العلاج النفسي الجماعي للاطفال ، لكاميليا عبدالفتاح : 162 ـ مكتبة النهضة المصرية 1975 م.
2 ـ مكارم الاخلاق : 222.
3 ـ مكارم الاخلاق : 222.
4 ـ مكارم الاخلاق : 223.
(75)
أو نوعه أو اسلوبه ، ما دام اللعب لا ينافي الاخلاق العامة ولا خطورة فيه على الطفل أو على الآخرين ، والطفل في هذه المرحلة لا يحبذ تدخل الوالدين في شؤونه ، ولا يحبّذ كثرة الاَوامر الصادرة اليه.
وأفضل اللعب عند الطفل هو اللعب الذي يختاره ، أو يصنعه بنفسه ، أو يكتشف بنفسه طريقة جديدة للعب ، أو طريقة خاصة لاستعمال اللعب ، ومن الافضل للطفل أن يقوم الوالدان بتوفير اللعبة التي يحتاجها الطفل ، وتكون منسجمة مع رغباته يقول الدكتور سپوك : (اننا يجب ان نترك للاطفال إدارة شؤون ألعابهم حتى يستطيعوا التعلم منها ... لابد ان نترك له قيادة الامر بنفسه ، وان يتبع ما يقوله له خياله ، بهذا فقط تصبح اللعبة مفيدة ، انها يجب ان تكون معلّمة له ، ولابدّ ان يخضعها لافكاره ، وعندما يجد نفسه في حاجة إلى مساعدة أحد الوالدين لادارة الكمية من المشاكل الطارئة مع لعبته ، فلابدّ أن يساعده الوالدان) (1)
ويؤكد جميع علماء النفس والتربية على حرية الاطفال في اللعب (اذا حاول الاطفال رسم برنامج خاص لهم في أعمالهم فلا تمنعوهم من ذلك ، لانّ مواصلة تطبيق خطّة مرسومة دون وقوف العوائق في طريق ذلك عامل فعّال في تكّون الشخصية عندهم) (2)
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشجّع الحسن والحسين على المصارعة بينهما فانه صلى الله عليه وآله وسلم دخل ذات ليلة بيت فاطمة عليها السلام ومعه الحسن والحسين عليهما السلام فقال لهما : 1 ـ مشاكل الآباء : 106.
2 ـ الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 64 ، عن كتاب نحن والابناء 56.
(76)
« قوما فاصطرعا ... » (1)
وعن صفوان الجمال قال : ( ... اقبل أبو الحسن موسى ، وهو صغير ومعه عناق مكيّة ، وهو يقول لها : اسجدي لربّك ، فأخذه أبو عبدالله عليه السلام وضمّه إليه .. ) (2)
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمنح الحرية الكاملة للحسن والحسين في التعامل معه ، فكان الحسن والحسين أحياناً (يركبان ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقولان : حَلْ حَلْ ، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم : نعم الجمل جملكما) (3)
ومثل هذه العملية تتكرر في علاقة الطفل مع أبيه إذ يقوم الاطفال بالركوب على ظهر أحد الوالدين في الصلاة ، ولذا يجب على الوالدين عدم تعنيف الطفل على ذلك وترك الحرية له ، فانه سيتركها بمرور الزمن.
وقد يفهم من بعض الروايات إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسهّل مثل هذهِ العملية وان كانت على مرأى المجتمع ، فعن عبدالله بن الزبير قال : (انا أحدّثكم بأشبه أهله إليه وأحبهم اليه الحسن بن عليّ ، رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو ظهره ، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، ولقد رأيته يجيء وهو راكع ، فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر) (4) 1 ـ بحار الانوار 103 : 189.
2 ـ الكافي 1 : 311 / 15 باب 71 من كتاب الحجة.
3 ـ بحار الانوار 43 : 296.
4 ـ مختصر تاريخ دمشق 7 : 10.
(77)
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشارك الحسن والحسين في فعلهما ، ومشاركته لا تعني التدخل في شؤونهما ، وانّما يشارك متصرفاً كانّه أحدهما (فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبرك للحسن والحسين ويخالف بين أيديهما وأرجلهما ، ويقول : « نعم الجمل جملكما ») (1)
ومشاركة الوالدين أو أحدهما للاطفال في اللعب ضروري جداً وهي من (أهم العوامل لتنمية قدرات الطفل وأهمها ان يصبح مستقلاً وقويّ الشخصية) (2)
وأفضل طرق المشاركة في اللعب أن يتكلم الوالدان مع الاطفال بالكلمات والعبارات التي يفهمونها والمتناسبة مع مستواهم اللغوي والعقلي ، وبمعنى آخر أن يتصرّف وكأنّه طفل ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من كان عنده صبي فليتصابَّ له » (3)
وقد أكدّ علماء التربية هذه الحقيقة ، يقول موريس تي يش : (يجب أن تسلكوا مع أولادكم كأصدقاء ، أن تعملوا معهم ، أن تشاركوهم في اللعب ... أن تتحدثوا معهم بعبارات الودّ والصداقة ... إنّ الفرد يجب أن يعرف كيف يجعل نفسه بمستوى الاطفال ويتكلم بلغة يفهمونها) (4)
واللعب مع الاطفال يمنحهم الاحساس بالمكانة المرموقة ويُدخِل عليهم البهجة والسرور فيجب (على الكبار الخضوع لرغبة الصغار إذا 1 ـ مستدرك الوسائل 2 : 626.
2 ـ قاموس الطفل الطبي : 222.
3 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 312 / 21 باب فضل الاولاد.
3 ـ الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 97.
(78)
طلبوا منهم اللعب معهم) (4)
واللعب وسيلة من وسائل التربية والاعداد للعمل الجدي فهو (وسيلة لفهم نفسيات الاطفال ، والوقوف على استعداداتهم ، ووسيلة لتعليمهم وتربيتهم اجتماعياً وخلقياً) (5)
ويعتبر لعب الاطفال تعبيراً حقيقياً عن سلوكهم السوي أو المضطرب (فالطفل أثناء لعبه يعبر عن مشكلاته وصراعاته التي يعاني منها ، ويسقط ما بنفسه من انفعالات تجاه الكبار على لعبه) (1)
ومن هنا فعلى الوالدين مراقبة الاطفال في لعبهم دون أنْ يشعروا بالمراقبة ، فسيحصلون على معلومات متكاملة عن جميع الجوانب لدى الطفل ، في التفاعل الاجتماعي بينهم ، وملاحظة الاحاديث والانفعالات التي تصاحب اللعب ، وملاحظة اسلوب تعبير الطفل عن رغباته وحاجاته ومخاوفه ومشكلاته ، وخصوصاً في حالة التكرار المتزايد ، وملاحظة سلوك الاطفال من حيثُ اللين والعنف ، والاضطرابات العاطفية ، وملاحظة آرائه بوالديه ، وخصوصاً في حالة تمثيل الطفل لدور الاَب أو دور الاَم ، ومن خلال المراقبة والملاحظة يمكن التعرّف على نموه اللغوي والعقلي والعاطفي ، ويأتي دور الوالدين بعد المراقبة في وضع منهج متكامل للتوجيه والتربية ينسجم مع حالة الطفل العاطفية والنفسية والعقلية. 1 ـ قاموس الطفل الطبي : 317.
2 ـ علم النفس اسسه وتطبيقاته التربوية ، للدكتور عبدالعزيز القوصي : 239 ـ 1978 م ط 8.
3 ـ علم النفس العلاجي ، للدكتور اجلال سري : 152 ـ عالم الكتب 1990 ط1.
(79)
والملاحظة والمراقبة غير المباشرة تجدي نفعاً أكثر من الملاحظة والمراقبة المباشرة عن طريق المشاركة في اللعب ، لاَنّ الطفل في هذهِ الحالة المباشرة يخفي كثيراً من عواطفه وآرائه وتصوراته خجلاً من والديه أو خوفاً منهم.